31-تشرين الأول-2017
ابو مهدي المهندس.. ارهابي (فئة أولى) مع سبق الاصرار
عندما تصف الولايات المتحدة الامريكية، القائد المليشياوي ابو مهدي المهندس بـ(الارهابي) فانها تستند الى سجله الملييء بالعمليات الارهابية منذ ثمانينيات القرن الماضي التي كان بطلها الاول، جمال محمد جعفر ابراهيمي وهذا هو اسمه الحقيقي، وما زال يمارس ارهابه ضد الملايين من العراقيين، في حزام بغداد ومحافظات ديالى وصلاح الدين والموصل والانباروشمال بابل وكركوك، والاخيرة افتتح فيها بالتواطؤ مع حزب الاتحاد الوطني الكردي خلال الاسبوعين الماضيين سلسلة من المقرات والمكاتب ونقل اليها المزيد من الحراس والمقاتلين.
وابو مهدي المهندس وهذا اسمه الحركي الذي اتخذه في ايران عقب هروبه اليها من الكويت في منتصف عام 1985 اثر اكتشاف تورطه في محاولة اغتيال امير الكويت الراحل الشيخ جابر الاحمد في 25 مايو من العام نفسه.
وكان جمال جعفر ابراهيمي (ابو مهدي المهندس) قد فر الى الكويت من البصرة في العشرين من ابريل 1980 حيث كان يعمل مهندسا في احدى منشئاتها النفطية، واشتغل في الكويت متخفيا في منطقة الشويخ الصناعية عاملا في احدى ورش تصليح السيارات، وهو من اسرة اصولها ايرانية من مدينة (كرمان) وفدت الى العراق في ثلاثينيات القرن الماضي وسكنت البصرة وحصل افرادها على الجنسية العراقية في عام 1954 وكان جمال في الشهر الثالث من عمره، كما تشير اضبارته الامنية التي سلمتها السلطات العراقية الى نظيرتها الكويتية،عقب اكتشاف ضلوعه في محاولة اغتيال اميرها الاحمد، التي اسفرت عن مقتل اثنين من مرافقيه واصابته بجروح بسيطة.
وصحيح انه يتردد على طهران دوريا حيث تقيم اسرته هناك ويدير ابنه الاكبر مهدي الذي يكنى به، مؤسسة للسفر والسياحة مع محمد حسين نجل علي الاديب القيادي في حزب الدعوة وجعفر ابن السفير العراقي السابق في ايران مجيد الشيخ، تتولى تنظيم رحلات الى قبور ومراقد ائمة الشيعة في العراق، الا ان اقامته في بغداد تكاد تكون دائمية نظراً للمسؤوليات الخطيرة التي يضطلع بها في العراق لصالح ايران الذي تعده ابرز ممثليها السياسيين والامنيين وتكلفه دائما بتمثيلها في حل المشاكل التي تحدث في البيت الشيعي او عند ظهور منافسات بين القيادات الشيعية واحزابها المتعددة.
وحسب المعلومات التي تابعتها (العباسية نيوز) عن سيرة (ابو مهدي المهندس) فانها تشير الى انه مولود في البصرة عام 1954 لاسرة ايرانية نزحت من مدينة كرمان بعد اغتيال السلطات الايرانية عميدها سيد رضا ابراهيمي بتهمة المروق على العقائد الشيعية وتزعمه لفرقة (الشيخية) التي كانت تتخذ من كرمان مسرحا لطقوسها التي تختلف في كثير من عقائدها عن الاثني عشرية الامامية، حيث تتسم هذه الفرقة بالاعتدال الديني وتنبذ التطرف وترفض البدع والضلالات والخرافات، وتحظر على اتباعها الاشتغال في السياسة، باعتبارها (مفسدة)، وكل من يعمل في الاحزاب والعمل السياسي من الشيخية يقطع صلته بها، كما فعل جمال ابراهيمي (ابو مهدي المهندس) وهو طالب في اعدادية البصرة عند انتمائه الى حزب الدعوة السري عام 1972، وتحوله الى العقيدة الاثني عشرية الشيعية، وتسمى بـ(الامامية) ايضا.
وقد قبل جمال ابراهيمي في الجامعة التكنلوجية ببغداد في عام 1973 وامضى فيها اربع سنوات دراسية وتخرج منها عام 1977، وهي نفس الجامعة التي درس فيها حيدر العبادي وتخرج منها قبل عام واحد من تخرج ابو مهدي المهندس الذي عاد الى البصرة حيث عمل بصفة معاون مهندس في المنشأة العامة للحديد والصلب حتى 20 ابريل عام 1980 عندما هرب الى الكويت بجواز سفر مزور باسم (جمال عبدالنبي علي) بعد ورود اسمه في اعترافات مسؤولي حزب الدعوة في المدينة، الذين وقعوا في قبضة رجال الامن.
وينقل عن المهندس، ان رئيس الحكومة الحالي حيدر العبادي زامله في الجامعة ولكنه لم يسع الى التعرف عليه لانشغال هذا الطالب البغدادي ـ حسب وصفه ـ بالرياضة وكرة القدم التي لا تحبذها الاحزاب الشيعية وتعدها من (المكروهات)، اضافة الى ان حيدر من اسرة ارستقراطية وابن طبيب مشهور كان يرأس مستشفى الجملة العصبية في بغداد، ويقصد به الدكتور جواد العبادي رحمه الله، الذي وصل الى منصب مفتش عام وزارة الصحة في عهد وزيرها المرحوم عزة مصطفى العاني عام 1975.
وفي الكويت اشتغل جمال عبدالنبي علي ابو مهدي المهندس) في منطقة الشويخ الصناعية مصلحا للسيارات، أعاد ارتباطه بحزب الدعوة من خلال عبدالزهرة عثمان (ابو ياسين) وكان هاربا من العراق ايضا ويتخذ اسما حركيا اشتهر به فيما بعد (عزالدين سليم) قبل ان يقتل ببغداد عندما كان عضوا في مجلس الحكم الانتقالي عام 2004، كما تعرف في الكويت ايضا على كثير من قيادات وكوادر الحزب ممن سبقوه في الهرب الى الكويت ابرزهم الايراني مهدي آصفي وسهل محمد سلمان الذي اغتيل في دبي 1981 وكاطع الركابي الملقب (ابو مجاهد) وكان يعمل قصابا في سوق (واقف) الشعبي وسط الكويت، وعبدالرحيم الشوكي وعبد علي لفتة وابو علي البصري وابو حسن هيثم، والاخير حاليا عضو قيادة منظمة بدر.
واضطر ابو مهدي المهندس الى الهرب من الكويت الى ايران مع عدد من رفاقه في الحزب عقب افتضاح دوره في محاولة اغتيال امير الكويت السابق الشيخ جابر الاحمد في 25 مايو 1985 وكان يصادف السادس من رمضان في ذلك العام، وفي طهران كانت اول مهمة اسندت اليه تنسيبه للعمل في معسكر الصدر في الاحواز الذي كانت السلطات الايرانية قد انشأته لتدريب التوابين وارسالهم الى العراق متسللين عبر الحدود للقيام بعمليات اغتيال وتخريب.
وبعد ان قام الحرس الثوري الايراني بالسيطرة على المعسكر وطرد عناصر حزب الدعوة منه، اتخذ ابو مهدي المهندس قرارا بالانسحاب من الحزب، ملتحقا بالمجلس الاعلى الذي كان محمد باقر الحكيم قد شكله في طهران نهاية 1983، وفي العام التالي اصبح المهندس عضوا في المكتب السياسي للمجلس ومشرفا على لجنة التعبئة التابعة له والمسؤولة عن فيلق بدر.
وقد شارك المهندس في القتال ضد الجيش العراقي في القاطعين الجنوبي والاوسط، كما هاجم مخافر عراقية للشرطة على الحدود، ويفاخر بانه تسلل عدة مرات الى بلدات القرنة والمدينة في البصرة والمجر والكحلاء والأهوار في العمارة وبدرة وزرباطية في الكوت وفجر منشئات حكومية ومقار حزبية.
وفي عام 1988 عقب توقف الحرب بين ايران والعراق عين رئيسا لاركان فيلق بدر(الجناح العسكري للمجلس) بدلا من محمد تقي مولى الذي جُمد بعد ثبوت مخالفات مالية عليه، وظل المهندس في موقعه حتى ايلول 2002 عندما اختلف مع عبدالعزيز الحكيم شقيق رئيس المجلس الاعلى، مما اضطره الى تقديم استقالته واختيرهادي العامري مكانه، والاخير مثل المهندس كان قد غادر حزب الدعوة في منتصف الثمانينات والتحق بالمجلس الاعلى وفيلق بدر بايعاز ايراني، كما تقول اوساط الدعوة.
وعقب احتلال العراق في 2003، عاد ابو مهدي المهندس الى بغداد، وبدأ بتجنيد مجاميع من فرق الموت الشيعية التي لاحقت واغتالت ضباطا وطيارين ومهندسين في التصنيع العسكري، وقد برز اسمه مدويا في عمليات تصفيتهم في عام 2005 عندما كشف النقاب عن اشرافه على سجن سري في حي الجادرية الملحق بالمنطقة الخضراء وقتله لمئات من المعتقلين فيه، بتغطية من وزير الداخلية وقتئذ باقر صولاغ.
وقد اكتشفت القوات الامريكية عند مداهمتها المعتقل الذي سمي بـ(ملجأ الجادرية) 215 معتقلا بين الحياة والموت نتيجة التعذيب الذي كان يمارسه عليهم ابو مهدي المهندس بالاشتراك مع محققين ايرانيين، ولم تتخذ حكومة ابراهيم الجعفري ومن بعده حكومة المالكي الاولى اية اجراءات ضده رغم ثبوت قتله لعدد من المعتقلين، بل انه كوفيء بترشيحه الى الانتخابات النيابية نهاية 2005 عن الحلة، وهي مدينة غريبة عليه وغريب عليها، ضمن الائتلاف الوطني (الشيعي) وفاز بالترتيب الثالث، ولكنه لم يؤد قسم العضوية في مجلس النواب ونقل عنه ان في القسم عبارات تلزمه بخدمة العراق والدفاع عنه وهو لا يريد ان يلزم نفسه بشيء لا يؤمن به، كما انه لم يحضر أياً من جلسات المجلس رغم الحاح رئيسه محمود المشهداني يومئذ الذي سئل عنه ذات مرة فقال انه يسمع به ولكن لم يره!
ونقلا عن معلومات حصلت عليها (العباسية نيوز) من مصادر نيابية مطلعة فان جمال جعفر ابراهيمي (ابو مهدي المهندس) باتت له عدة بيوت في بغداد يتنقل فيها ضمن حراسات مشددة من بينها فيللا على نهر دجلة عائدة الى عائلة وطبان ابراهيم الحسن، واخرى في مجمع القادسية وثالثة في منطقة العطيفية، ورابعة في حي الكرادة الشرقية (الداخل) اضافة الى عدة بيوت ومقرات سرية في مناطق اخرى، وقد حرص المهندس طيلة السنوات القليلة الماضية، العمل بهدوء والتنقل بسرية بالغة بعد ان اصبح القائد الميداني الحقيقي لمليشيات الحشد الشعبي، حتى بات مقاتلو الحشد يعلقون صوره على الدبابات والعجلات.
ويؤكد ابو مهدي المهندس انه ساهم بفعالية في انشاء الائتلاف الشيعي الموحد في عام 2005 ومن بعده الائتلاف الوطني العراقي 2010 واخيرا التحالف الوطني الحالي، ويؤكد ان علاقاته مع المرجعيات والقيادات الحزبية الشيعية وثيقة جدا باستثناء زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر الذي يأخذ المهندس عليه انه يستعين بمجموعة من الشيعة غير المؤمنين (حسب رأيه) ويعتقد ان آية الله علي السيستاني افضل مراجع الشيعة في العراق منذ وفاة محسن الحكيم عام 1970 في اشارة واضحة الى انتقاصه من مرجعيتي ابي القاسم الخوئي ومحمد صادق الصدر، ويجزم ان المرجع الشيعي بشير نجفي الباكستاني الاصل، هو الاصلح لخلافة السيستاني عند وفاة الاخير.
وينقل عن القيادي في حزب الدعوة حسن السنيد الذي يقال انه اعطى دروسا في اللغة العربية التي نسى المهندس كثيرا من مفرداتها ومصطلحاتها لاقامته الطويلة في ايران، ان الصلات بين المالكي والمهندس حميمية وكثيرا ما يجتمعان للتداول في الشؤون السياسية وان (ابي اسراء) معجب بآرائه ويقدر طروحاته.
ويتشرف ابو مهدي المهندس بانه جندي مقاتل بأمرة الجنرال الايراني قاسم سليماني، ويهاجم دائما دول الخليج العربي، ويزعم بان السعوديين (حاضرون مع داعش كممولين ومقاتلين وانتحاريين).
وتختلف الروايات عن المهمات التي يؤديها أبو مهدي المهندس في المرحلة الراهنة، فهو رغم كونه نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي رسميا، الا انه شخصية فاعلة في المشهد السياسي، حتى ان المصادر السياسية والنيابية في بغداد، تصفه بانه نائب قاسم سليماني في العراق، لذلك وضعت واشنطن اسمه في لوائح الارهاب بعد ايام قليلة من ادراجها اسم سليماني في تلك اللوائح، وهذه المسألة ستسبب احراجا لرئيس الحكومة والقائد العام للقوات المسلحة حيدر العبادي الذي يفترض انه المسؤول الاعلى لهيئة الحشد التي يتولى المهندس رئاستها الفعلية، خصوصا وان العبادي يلقى حاليا دعما غير مسبوق من الادارة الامريكية التي طلبت من اطراف سياسية سنية، تأييده والوقوف معه، كما حثت دولا عربية كالسعودية والاردن ومصر والكويت على مساعدته.