03-أيلول-2016
التخريب سنة 'المارنينز الثقافي' في العراق
حوار: سلام الشماع
كشف الكاتب والناقد العراقي ماجد صالح السامرائي أن المؤسسات الثقافية التي كانت قائمة في العراق تم هدمها عن آخرها ودمرت مبانيها ونهبت موجوداتها، وشرّد العاملون فيها، بحيث لم تبق مقومات ثقافية حقيقية في هذه المؤسسات تضمن استمرارها الطبيعي.
وتساءل السامرائي، في حوار أجرته معه صحيفة (العرب) اللندنية: هل تتصور أن بلدا مثل العراق لا توجد فيه مسارح ولا دور سينما ولا قاعات حقيقية للفنون التشكيلية؟ ليجيب موضحا أن هذه المؤسسات الثقافية أسندت إداراتها في عهد الحاكم المدني للعراق بول بريمر إلى عناصر “ثقافية” ممن جلبهم المحتل وأعوانه ليوجهوا عملها الثقافي “التوجيه المطلوب”.
تصفية المثقفين
تحدث ماجد السامرائي، الذي شغل منصب رئيس تحرير مجلة “الأقلام” العراقية المتخصصة في الأدب الحديث من 1994 – 2003، وأسس وترأّس تحرير مجلة (الموقف الثقافي)، عن الانهيار الثقافي في العراق من بعد الاحتلال الأميركي، مؤكدا أن واشنطن لا تحمل مشروعا للعالم سوى مشروع مصالحها الذاتية، كما قال بريجنيسكي، بل قد تحمل مع هذا المشروع التخريب إلى البلدان التي يجور عليها الزمن باحتلالها لها، كما حصل للعراق.
وشدد على أن الولايات المتحدة بدأت أول ما دخلت أرض العراق بتدمير تراث العراق وثقافته، حتى وجد العراقيون أنفسهم أمام مشاهد مؤلمة حصلت للمؤسسات الثقافية والمتاحف وكأن غزو المغول للعراق يتجدد.
وأشار إلى أن القوات الغازية دمّرت المتاحف ونهبت منها ما نهبت وأحرقت الكتب ودمرت المكتبات، وتبددت ثروات العراق الفنية بما فيها تراثه من الفن التشكيلي الحديث الذي كان المتحف الخاص به يضم ثمانية آلاف وخمسمئة عمل فني، إلى جانب متحفي الفنانين الرائدين جواد سليم، وفائق حسن.
ومن بعد ذلك جاء الدور على المثقفين والمفكرين والعلماء فتمت تصفية أعداد كبيرة منهم؛ وحتى من هاجر منهم إلى الخارج لم يسلم من يد الموت التي طالت من طالته منهم، وأقرب مثال على ذلك عالم الآثار العراقي دوني جورج، الذي اغتالته يد الغدر والإرهاب الدولي في مدينة (تورنتو) الكندية، لأنه فضح أميركا وما فعلته في المتحف العراقي من نهب وتدمير لآثار العراق.
وقال السامرائي إن الاحتلال الأميركي للعراق جاء بشيئين: الحقد على الثقافة والحضارة من جهة، والغباء من جهة أخرى، وقد اجتمع هذا الحقد والغباء عند معظم أعوان المحتل، لذلك جرى التوجه، نحو تخريب ثقافي شمل أعمالا فنية كبرى تفتخر الأمم والشعوب عادة بامتلاكها، بدعوى أنها من “رموز النظام السابق”، في حين أنها أعمال فنية كبرى يفترض أن يفتخر بها البلد الذي تكون فيه.
ماجد صالح السامرائي: من جلبهم المحتل معه إلى العراق ومن أيده من "مثقفين" هم "مارينز ثقافي" خدموا مشروعه التدميري للعراق
وتساءل مستنكرا ما علاقة نصب المسيرة للفنان الخالد خالد الرحال الذي يرمز إلى مسيرة العراق الحضارية من أول تاريخه بالنظام السابق سوى أنه نُفّذ على أيامه؟ وما صلة أبوجعفر المنصور، مؤسس بغداد التاريخية العظيمة بالنظام السابق؟ وما علاقة التمثال الضخم للفنان الكبير علاء بشير الذي يرمز إلى تكاتف الشعب واحتضانه بعضه بعضا بالنظام السابق؟ وهكذا مع تماثيل ونصب أخرى في بغداد والمحافظات لم أجد، على حدّ معرفتي المتواضعة، أمة أو بلدا في العالم سلك مثل هذا “السلوك الحاقد” مع ما يرمز إلى حضارته وتاريخه وإنسانه!
وتحدث الناقد السامرائي عن المثقفين العراقيين الموجودين خارج العراق، وقال إنه على الرغم من أن معظم المثقفين الذين اضطروا لمغادرة العراق، أو غادروا العراق برغبة شخصية (وبينهم أعداد غير قليلة ممن كانوا في الخارج قبل الاحتلال) يمكن تصنيفهم في حالتين: الأولى يمثلها المبدعون الحقيقيون ومن كان لهم حضور في الواقع الثقافي فظلوا محافظين على هذا الحضور من خلال التزامهم بهموم الوطن ومعاناة الإنسان فيه، فهم في الخارج وكتاباتهم عن الداخل، وهؤلاء هم من يمثل الثقافة والواقع الحقيقي للمثقف المنتمي إلى وطن. والحالة الثانية يجتمع فيها مثقفون هامشيون لم يكن لهم دور في الداخل، ولا نجد لهم دورا واضحا ولا شخصية واضحة في الخارج، بل أن بعضهم جعل من “اللجوء مهنة”.
المارينز الثقافي
يطلق السامرائي على من جلبهم المحتل معه إلى العراق من “مثقفين” اسم “المارينز الثقافي” لأنهم لم يأتوا لخدمة ثقافة العراق ومثقفيه، وإنما ليقدموا للأميركيين صورة متكاملة عن الأوضاع المتبقية وعن المثقفين لمساعدته على تطبيق سياسته (المفقودة) في مجال الثقافة.
وقد عاد من هؤلاء من عاد بعد إنجاز المهمة، إلى بلد اللجوء الذي كان فيه وبقي من بقي مضافة إليهم أعداد من مثقفي الداخل يروجون لشعارات المحتل ولا يداخلهم حياء أو خجل وهم يسمون الاحتلال “تحريرا”، (مخالفين بذلك حتى تسمية الأمم المتحدة للغزو الأميركي).
وأضاف السامرائي أن هؤلاء لم يقدّموا ثقافة ولا خدموا الثقافة، بل إنهم حوّلوها إلى سلعة رخيصة، وحاولوا احتواء بعض المثقّفين تحت شعارات تقدمية أصبحوا بعيدين عنها، أو طائفية مريضة يتشبثون بظواهرها، ولكنهم أصبحوا يعيشون حالة تجمع بين الفشل والندم. لكن، هناك اليوم يقظة بين المثقفين تعي ما حصل ويحصل، وتعمل على فضحه، في محاولة لاستعادة الواقع الثقافي من الأيدي الآثمة.
تطرق السامرائي، الذي له أكثر من 16 كتابا مطبوعا وشارك في أكثر من 40 كتابا إلى جانب مشاركاته في موسوعات عربية معروفة، إلى أدب المقاومة، وقال “علينا أن نأخذ أدب المقاومة بنظرة تختلف عن المقاومة في مجالاتها الأخرى، فالأدب الذي يحتج على ما حصل للعراق وإنسانه، ويعترض على ما يحدث، ويقف بالضدّ من كل ما يسيء إلى الوطن والإنسان، أنا أعده ‘أدب مقاومة’، وكل ما يكتب من أدب حقيقي أصيل يحافظ على جوهر الإبداع وحقيقته وعلى ما ينبغي أن يمثله المثقف في المجتمع وفي مسارات الحياة لنا أن نعده، في مثل الحالة التي نحن فيها، أدب مقاومة، والأدب الذي يحافظ على المستوى الحقيقي للإبداع وعلى المضامين الإنسانية والوطنية العالية ويرفض التجاوب مع الانحطاط والانحلال والاحتلال هو أدب مقاومة. فإذا أخذنا أدب المقاومة بهذا البعد يمكن أن نقول إن هناك أدب مقاومة واضح الحضور والتوجه”.
أعرب السامرائي عن سروره بأن روايات كثيرة كتبت في السنوات الأخيرة، ربما أكثر من أي وقت مضى، وأسماء روائية برزت، والأسماء المعروفة عززت وتعزز حضورها، وقال “في الرواية التي كتبت هناك موقف واضح من الروائيين تجاه ما حدث ويحدث، ويكفي أن أقول لم تكتب رواية منذ العام 2003 إلى اليوم تهادن المحتل أو تماريه، فالروائيون على اختلاف توجهاتهم وأساليبهم الفنية هم الحضور المتميز اليوم في العراق، ولنا أن نعقد آمالا كبيرة عليهم في بناء النهضة الثقافية الجديدة. أما الشعراء فلم أقرأ قصيدة ولا سمعت مقطعا أو بيتا من الشعر مرحبا بالاحتلال، بل كانت هناك ولا تزال أصوات واضحة تنطق بصدق (العبارة المعارضة)”.
وفسر ذلك بأن تخريب المحتل وأعوانه للواقع الثقافي لم يستطع أن يطال عقول المثقفين ونفوسهم، ما يعني أن غالبية المثقفين العراقيين مبنيون بناء وطنيا متينا وسليما.
رؤية مستقبلية
تحدث السامرائي عن الإنتاج الثقافي ووسائل نشره في العراق، وقال “لا تزال دار الشؤون الثقافية تنشر الكتب وتصدر المجلات محاولة، من خلال ذلك، أن تستمر في المسار، ولكن المسار معاق بعوامل عديدة منها غياب الخطة في النشر وانحسار التوزيع. لكنه قال السامرائي إنه شخصيا غير متشائم ولا يائس، ويشاركه الحالة العشرات من المثقفين الذين يكتبون اليوم ما يحافظ على المستوى الحقيقي للثقافة قد يكونون (وهم فعلا) بلا دور “رسمي” ولكن إيمانهم بالكلمة وقوتها وتأثيرها يجعلهم يواصلون مسيرتهم. نجد هذا في النقد وفي الرواية وفي الشعر وفي الفن التشكيلي.
وأشار إلى أن الفن التشكيلي الذي ينهض به اليوم جيل جديد يمثل حضورا إبداعيا واضحا يحاول أن يعقّد التواصل بينه وبين المشاهد من جهة، وبينه وبين تراث هذا الفن من جهة أخرى، فنانون تشكيليون هم من يؤلف هذه المسيرة التي تكاد أن تكون الأوضح في مسار الحياة الإبداعية في العراق اليوم.
ووصف السامرائي المسرح العراقي بأنه في شبه غياب، مشيرا إلى أن الأعمال المسرحية التي تنجز في العراق غالبا ما تكون معدة للمشاركة في المهرجانات وليس للعرض للمشاهد العراقي إلا في حدود معينة.