18-تموز-2016
التجزئة التي أقدم عليها سايكس وبيكو لا تزال مستمرة حتى اليوم
أشباح الانقلابات لم تغب عن آفاق تركيا
بقلم: روبرت فيسك
استشرف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الانقلاب الأخير قبل وقوعه، فالجيش التركي ما كان ليظل ساكناً بينما الرجل الذي سيعيد إنشاء الامبراطورية العثمانية يحول جيرانه إلى أعداء وبلاده إلى نسخة ساخرة من نفسها.
ولكنه سيكون من قبيل الخطأ الكبير أن نفترض أمرين: أن إحباط انقلاب عسكري هو مسألة عابرة سيظل الجيش التركي بعدها مطيعاً لقائده العام وأن ننظر إلى مصرع 161 شخصاً على الأقل واعتقال 2839 شخصاً في عزلة عن انهيار الدول- الأمم في الشرق الأوسط.
ترتبط الأحداث الأخيرة في إسطنبول وأنقرة بصورة وثيقة بانهيار الحدود وافتراض أن أمم الشرق الأوسط لها مؤسسات وحدود دائمة، وقد أحدث ذلك جراحاً على امتداد العراق وسوريا ودول أخرى في العالم العربي وعدم الاستقرار يعد أمراً معدياً مثل الفساد في المنطقة.
وغني عن البيان أن رد الفعل الأول من جانب واشنطن على الانقلاب كان دالاً، فالأتراك لا بد لهم من أن يؤيدوا «حكومتهم المنتخبة ديمقراطياً»، ولكن لو أن انقلاب الجيش التركي قدر له النجاح فإن أردوغان كان سيعامل بطريقة مختلفة تماماً.
ولكن ما الذي تتوقعه عندما تفضل الدول الغربية الاستقرار على الحرية والكرامة؟ هذا هو السر في أنها على استعداد لقبول مشاركة قوات إيران والميليشيات العراقية الموالية لها في المعركة ضد تنظيم داعش. وهذا هو السر في أن عبارة «الأسد ينبغي أن يرحل» قد تم إسقاطها في هدوء، والآن وبعد أن بقي الرئيس السوري بشار الأسد بعد خروج ديفيد كاميرون من رئاسة الوزراء، ومن المؤكد أنه سيبقى بعد انتهاء رئاسة أوباما، فإن النظام في دمشق سينظر بعينين مندهشتين إلى الأحداث الأخيرة في تركيا.
لقد دمرت القوى المنتصرة في الحرب العالمية الأولى الإمبراطورية العثمانية، الأمر الذي كان أحد أهداف الصراع الذي استمر من 1914 إلى 1918 بعد ارتكاب الباب العالي الخطأ القاتل المتمثل في التحالف مع ألمانيا، وقسم حطام الإمبراطورية بعدئذ إلى أجزاء على يد الحلفاء، وسلم إلى ملوك وعقداء وطغاة، وأردوغان ومعظم الجيش الذي قرر إبقاءه في السلطة يندرجان الآن في المادة ذاتها التي تتألف منها الدول المحطمة.
كانت المؤشرات الحافلة بالنذر مائلة أمام أردوغان والغرب لو أنهما تذكرا تجربة باكستان التي تعد قطعة أخرى وممزقة من إمبراطورية (هي الإمبراطورية الهندية)، وقد عانت باكستان كثيراً ومزقت القنابل مدنها وتعاون جيشها ومخابراتها مع أعداء روسيا بما في ذلك طالبان، واخترقها المتشددون الذين هددوا الدولة ذاتها.
اعتقال ألفي شخص يعد انقلاباً بالنسبة لأردوغان، وفي حقيقة الأمر يعد انقلاباً أكبر من ذلك الذي خططه الجيش له، ولكن لا بد أنهم قلة بالنسبة لألوف الرجال من الضباط الأتراك الذين يعتقدون أن أردوغان يدمر بلاده. والسؤال الحقيقي سيكون الدرجة التي سيتيح نجاح أردوغان له الجرأة لإجراء مزيد من المحاكمات وسجن مزيد من الصحافيين وإغلاق المزيد من الصحف، وقتل المزيد من الأكراد.
وإجمالاً، فإن سلسلة الأحداث الدرامية التي حدثت في تركيا أخيراً هي أكثر خطورة مما تبدو عليه للوهلة الأولى، ومن حدود الاتحاد الأوروبي امتداداً عبر تركيا وسوريا والعراق وأجزاء لا يستهان بها من سيناء، وصولاً إلى ليبيا وتونس، هناك خط من الفوضى والإخفاق. لقد بدأ سير مارك سايكس وفرانسوا جورج بيكو تجزئة الإمبراطورية العثمانية بمساعدة إرث بلفور، ولكن هذه التجزئة مستمرة حتى اليوم.
وفي هذا الإطار التاريخي الكئيب، يتعين علينا النظر إلى الانقلاب الذي وقع في أنقرة. والاستعداد لانقلاب آخر في الشهور أو السنوات المقبلة.
طريق صعب
عندما بدأت تركيا القيام بدور التابع لفلك الولايات المتحدة في سورياوبعثت بالأسلحة لأطراف المعارضة، وتعاون جهاز مخابراتها الفاسد مع المتشددين وحارب سلطة الدولة في سوريا، مضت في طريق صعب، ومزقت قنابل هائلة مدنها إرباً، والفارق الوحيد هو أن تركيا شنت مجدداً حرباً على أكرادها في الجنوب الشرق من البلاد، حيث تعد أجزاء من ديار بكر الآن مدمرة تماماً مثل مناطق كبيرة من حمص أو حلب.
وقد أدرك أردوغان متأخراً ثمن الدور الذي اختاره لبلاده، فالاعتذار للرئيس الروسي فلاديمير بوتين شيء مختلف عن تطبيع العلاقات مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، ولكنك في هذه الحالة لن تعود قادراً على الثقة بجيشك.