12-تموز-2016
عشر سنوات على حرب يوليو:
(حزب الله) يوجه سلاحه للعرب وليس لإسرائيل
عشر سنوات تمرّ على حرب 2006 المدمرة بين حزب الله اللبناني وإسرائيل، ولم تعد تلك الحرب تعني الشيء الكثير في تصور استراتيجية الصراع في المنطقة، حيث ظهرت اهتمامات أخرى لحزب الله أهمها الصراع في سوريا، لكن حرب يوليو تعد نقطة مرجعية لقياس التغيرات التي طرأت بفعل تدخل إيران وتأثيرها في رسم معالم المنطقة كلاعب دخيل على العرب وباحث عن استدامة التوترات الداخلية.
ويرى محللون أن انخراط حزب الله اللبناني في النزاع بسوريا يبعد احتمال اندلاع حرب جديدة على الجبهة الشمالية في الوقت الراهن، فمنذ بداية الثورة السورية، سارع مسلحو الحزب إلى المساعدة في إخماد النفس السلمي للتحركات عبر المشاركة في عسكرة الثورة، والدفع بالأطراف المعارضة لنظام الأسد إلى حمل السلاح والتصدي لتكتيك فرض الأمر الواقع والخاضع لفلسفة إيران ورؤيتها للمنطقة، وهذه الرؤية تصب بشكل أو بآخر في إبعاد أي احتكاك محتمل بين الإسرائيليين وحزب الله في سياق الحفاظ على ترتيباتها السورية، وهو ما جعل خبراء يؤكدون أن هذا الفعل هو توجيه لسلاح حزب الله نحو العرب وليس لإسرائيل.
وقد اندلعت الحرب إثر خطف حزب الله اللبناني لجنديين إسرائيليين في 12 يوليو 2006، واعتبر المحللون نتيجتها سلبية لأنها افتقدت للتخطيط الاستراتيجي، ما يكشف أنها حرب أرادها حزب الله لمحاولة الهيمنة الإعلامية على الشارع العربي وكسب التأييد خاصة بعد سنة من اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري.
تناقض وهمي
نشر رئيس أركان الجيش الإسرائيلي جادي إيزنكوت، الذي كان قائد العمليات في حينه رسالة مفتوحة، الأحد، داعيا فيها إلى الاستفادة من دروس الحرب. وفي الوقت الذي يعرف فيه الإسرائيليون أن الوقت الحاضر لا يمكن أن يكون مناسبا للقيام بحرب من وجهة نظر حزب الله المصنف إرهابيا لدى قوى عربية إقليمية، إلا أن البعض من الخبراء في الداخل الإسرائيلي يصرون على تضخيم قدرات حزب الله للإبقاء على استراتيجية التناقض الوهمي بين إيران ووكلائها وبين إسرائيل. وقال إيزنكوت “التهديد من لبنان ما زال قائما وينطوي على العديد من التحديات، ويستدعي أن يكون الجيش مستعدّا لأي سيناريو”.
وكان إيزنكوت قد وصف حزب الله الشيعي، المدعوم من إيران، بأنه العدو الرئيسي للدولة العبرية، بينما أكد نائبه يائير جولان في أبريل الماضي أن قدرات الحزب التي تتحسن تدعو إلى القلق. وحذر جولان بأن أي أزمة مستقبلية “ستكون عبارة عن حرب شاملة”. وفي الوقت ذاته لا تستغرب آراء محللين عرب أن حزب الله ينتظر تسوية ما في سوريا ليعيد استفزاز الإسرائيليين على الحدود الجنوبية للبنان حتى تعود المنطقة مرة أخرى إلى الحرب، إذ لا يمكن تصور أن أحدا من حلفاء إيران يسعى إلى إخراج منطقة الشرق الأوسط من دائرة الحروب.
وبحسب جولان، فإنه نظرا لتواجد مقاتلي الحزب في مناطق مدنية فإنه “لا توجد طريقة أخرى للقضاء على هذا التهديد دون التسبب في ضرر كبير للبنى التحتية والمنازل والمنشآت المدنية الأخرى”. وإذا اعترف الإسرائيليون بهذا فإن ما شهده لبنان في حرب يوليو سنة 2006 يثبت ذلك، فقد قتل أكثر من 743 مدنيا و15 ألف منزل ونحو 900 مبنى ومحل تجاري وخسائر أخرى عديدة.
سوريا وليس إسرائيل
يقدر الجيش الإسرائيلي أن بحوزة حزب الله ما بين 100 ألف و120 ألف قذيفة وصواريخ قصيرة ومتوسطة المدى، بالإضافة إلى عدة مئات من الصواريخ طويلة المدى. وبإمكان الصواريخ متوسطة المدى الوصول إلى تل أبيب. وتؤكد تقارير لبنانية أن عناصر حزب الله القائمين على استراتيجيات الإعلام والترويج يستعدون لتثبيت هذه القناعة لدى الشارع العربي والإسرائيلي في سبيل الإبقاء على آمال العودة إلى الحرب والإبقاء على الشارع “يقظا”، في حين أن ذلك يدخل في سياق اختزال الصراع بين إسرائيل ورعاة المصالح الإيرانية في المنطقة العربية.
يعدّ حزب الله من أبرز حلفاء النظام السوري ويشارك إلى جانبه في قتال الفصائل المقاتلة والجهاديين بشكل علني منذ عام 2013 وقد خسر الحزب المئات من عناصره وعددا من كبار قادته في الأراضي السورية. ويقول فيليب سميث، وهو باحث مساعد في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى “في الوقت الحالي، ينصب اهتمام حزب الله على سوريا وليس على إسرائيل”.
وأضاف “من الصعب بالنسبة إليهم فتح جبهة جديدة ضد عدو متفوق بشكل ملحوظ مثل إسرائيل، خاصة أنهم يقاتلون الكثير من الأعداء على عدة جبهات في سوريا”. لكن هذه المقاربة تبقى محدودة في نطاق الزمن، إذ لا يمكن التكهن بعودة عناصر حزب الله إلى القواعد في لبنان دون أن يعيدوا تكرار أعمال استفزازية تؤدي إلى حرب، وتلك الحرب المتوقعة بعد سوريا سوف تكون فرصة إيرانية أخرى للإبقاء على موطن قدم في المنطقة العربية.
ووسط حالة الفوضى التي تطبع المنطقة، اعترفت إسرائيل أيضا بأنها شنت هجمات على العشرات من القوافل داخل سوريا قالت إنها كانت تنقل أسلحة مرسلة إلى حزب الله. وهذا ما يعتبر نقلا للمعارك داخل الأراضي السورية وفق منطق الصراع بين إسرائيل وحزب الله، أي أن حزب الله تسبب بشكل غير مباشر في تحويل الصراع من اشتباكات داخل الأراضي الإسرائيلية أو اللبنانية في الجنوب إلى قتال غير مباشر داخل الأراضي السورية وهذه معضلة. وقد تأكد ذلك من خلال عدد من الغارات السريعة التي قام بها الطيران العسكري الإسرائيلي وقصفه لدمشق سنة 2014.
احتلت إسرائيل جنوب لبنان طيلة 22 عاما حتى عام 2000، ويؤكد الحزب الشيعي اللبناني أن عملياته هي التي دفعت إسرائيل للانسحاب، لكن حرب 2006 والتي عرفت بـ”حرب تموز” أكدت أن الجيش الإسرائيلي يمكن أن يعود في أي لحظة لاحتلال لبنان، وبذلك فإن حديث حزب الله المروج إعلاميا على أن انتصار سنة 2000 يعد نقطة لحساب الحزب هو مجرد ترويج إعلامي لصناعة البطولة، لأن كل لبنان لا تزال تحت التهديد بوجود الحزب وليس بوجود جيش نظامي قادر على الدفاع عن الدولة.
وبدأت حرب تموز إثر عملية لحزب الله قتل خلالها ثلاثة جنود وأعلن عن خطف اثنين ردت عليها إسرائيل بهجوم مدمر إلا أنها لم تنجح في تحقيق هدفها المعلن في القضاء على حزب الله بل ظهر الأخير في نهاية الحرب بموقع المنتصر.
وقد أطلق حزب الله خلال الحرب آلاف الصواريخ على شمال إسرائيل. واعتبر كثيرون في إسرائيل الحرب الكاسحة من البر والجو فاشلة لأنها لم توقف صواريخ حزب الله او تسمح باستعادة الجنديين المخطوفين اللذين تبين لاحقا أنهما قتلا وبذلك لم تحقق الحرب هدفها.
انتصارات من ورق
قال تقرير أصدرته الحكومة الإسرائيلية عن الحرب مع الحزب اللبناني أنها كانت “فرصة ضائعة خطيرة” لإسرائيل، مشيرا إلى أنها كانت تفتقد للتخطيط ودون استراتيجية خروج واضحة.
وسلط التقرير الذي أطلق عليه اسم تقرير “فينوغراد” الضوء على الهجوم البري المثير للجدل الذي بدأ في الأيام الأخيرة للحرب، بينما كانت الأمم المتحدة تسعى إلى التوسط من أجل التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، مشيرا أنه لم يحقق أهدافه.
ومن جانبه، قال أفرايم أنبار مدير مركز بيغين السادات للدراسات الاستراتيجية في إسرائيل “أعتقد في تلك الحرب أنها لا تزال تعتبر وصمة في سجل القوات الإسرائيلية التي لم تكن مهيئة لها”.
وأضاف “كان هناك الكثير من الارتباك على أعلى المستويات في الجيش وأيضا فشلت القيادة الاستراتيجية السياسية”.
ومع مرور الوقت، تبنّى البعض في الدولة العبرية وجهة نظر أكثر تسامحا، مشيرين إلى الهدوء النسبي على طول الحدود مع لبنان حتى قبل بدء الحرب السورية في عام 2011 التي انضم حزب الله إليها، بحسب جوناثان سباير مدير مركز روبن للشؤون الدولية في إسرائيل.
ومع ذلك، فإن هناك مخاوف من استفادة حزب الله من تجربة القتال في سوريا ليصبح أكثر معرفة ويتحلى بقدرات قتالية عالية بعد أن قاتل إلى جانب القوات الروسية التي تدعم نظام الأسد أيضا.
وأكد سباير أنه من غير المرجح اندلاع نزاع جديد مع حزب الله إلى حين انتهاء الحرب السورية. ولكنه أشار إلى أن “حزب الله لا يزال ملتزما بتدمير إسرائيل” مؤكدا أنه أصبح “أقوى بكثير مما كان عليه في عام 2006”.
وهذا الاعتقاد لدى الإسرائيليين يجد صدى له في وسائلهم الإعلامية التي تبقي دائما على حزب الله في صورة الغول الذي يمكن أن يهجم في كل وقت، لأنه عدو يساعد إسرائيل، ولأنه غريب عن بيئته العربية، مثلما تعتبر إسرائيل أيضا غريبة عن بيئتها.