08-حزيران-2016
إغتصاب رقيم الطين… من سرق آثار العراق؟
كتاب يكشف التواطؤ الأمريكي الإسرائيلي على إبقاء العراق بلا تاريخ
أحمد الباقري
عن دار نشر (امل الجديدة) صدر كتاب يحمل عنوان (اغتصاب رقيم الطين) للباحث والمترجم امير دوشي وهو كتاب يعرض كيفيّة توظيف وسائل ألأعلام في الدفاع عن ألآرث الحضاري والثقافي، وهذا النمط من الكتب لم نعهده في مكتباتنا العربية وهو غير شائع لدينا ، غير انه مألوف في الكتب ألأجنبية، فقد عمد محرر الكتاب الى ترجمة مواضيع ذات صلة مشتركة واجواء متشابهة ، وهذا مافعله ألأستاذ امير دوشي ، فقد تطرَّق في كتابه الى موضوع آلآثار العراقية حيث ترجم عددا من المقالات عن موضوع آلآثار وكتب موضوعات اخرى تخصُّها، كما نشر مقالات لكتاب تطرقوا الى موضوع آلآثار العراقية .
وتاتي اهمية هذا الكتاب بكونه اوّل كتاب باللغة العربية يتطرق الى نهب وسلب وسرقة آلآثار العراقية بعد نيسان 2003 ، فمعْظَمُ العراقيين جاهلون بأهمية آلآثار العراقية بل ان بعضهم يرفضها رفضاً قاطعاً وخاصة التماثيل ويعتبرها(أصنام) يجب تهشيمها كما هَشَّم المسلمون ألأوائل أبان الدعوة ألأسلامية اوثان هُبل واللات والعُزى ، لأنها تُمثّل آلهة عَبَدَها ناس وثنيون لايؤمنون بالله خالق الكون. بل ان بعض ألأسلاميين أستحسن سرقتها ونهبها ، وقد قالوا بان اللصوص أسدو خدمة لنا بتخليصنا من هذه (ألأوثان)
اما الرقم الطينية وألأختام ألأسطوانية ، فيعتبرها هؤلاء المتطرفون متعلقات بهؤلاء الوثنيين وينبغي تكسيرها واتلافها وابعادها عن ارض العراق التي سكنها المسلمون المؤمنون بالله .. الواحد الصمد الذي لاشريك له .
وتكمن اهمية الكتاب في شرحه التاريخي لعمليات السلب والنهب للآثار العراقية الاتي تعتبر ألآرث الثقافي والحضاري للعراق منذ نشوء الحكومة العراقية سنة1921 وحتى ايامنا هذه ، ويشير الى مقالات نشرت عن سرقة ألآثار وعمليات السلب والنهب للآثار بعد سنة 2003 ويؤكد انها لم تكن هي ألأولى في تاريخه بل انها جرت قبل هذا التاريخ أبان ألأضطرابات السياسية وألأنتفاضات التي جرت في تاريخ العراق . وتمتد اهمية هذا الكتاب الى عملية توظيف وسائل ألأعلام في الدفاع والحفاظ على آلآثار العراقية ومساهمتها في كشف عمليات السلب والنهب التي قام بها اللصوص للآثار العراقية ، وكذلك قيام وسائل ألأعلام بأصدار نداءات الى المنظمات الثقافية في الدول المتحضرة للتعاون من اجل انقاذ ألأرث الحضاري للعراق .
لقد اقتبس مُعد هذا الكتاب مقالاً من صحيفة (ألأندبندت) البريطانية للصحفي روبرت فسك ترجمته لمى الشمري، حيث يشير هذا الصحفي البريطاني الى عملية النهب التي جرت في اعقاب حرب سنة 1991 حيث نُهبَ وسُلب ثلاثة عشر متحفاً عراقياً ،اما في السنوات بعد 2003 فقد اصبح كل موقع اثري في جنوب العراق تقريباً تحت سيطرة النهابين .
وتشير عالمة آلآثار اللبنانية جوان فرشخ الى : أن جيوش اللصوص والنهابين لم تترك دون مساس حتى ولو (متراً واحداً من هذه العواصم السومرية التي كانت قد دُفنت تحت الرمال منذ آلآف السنين ، وقد دمروا حضارات هذه الحواضر عند حفرهم في الرمال من اجل العثور على تحف اثرية كي يبيعوها في السوق السوداء لتجار آلآثار . وقد تعرضت معظم المواقع ألأثرية في جميع ارجاء العراق للنهب والسلب . وتؤكد بألأرقام ان في العراق عشرة آلآف موقع أثاري وفي منطقة الناصرية وحدها حوالي ثمانمائة واربعون موقعاً آثارياً تعرضت جميعها لعمليات السلب والنهب .
وتتحسر هذه العالمة الجليلة على ألأرث الحضاري للعراق وتقول:
ان العراق ربما سينتهي به المطاف اخيراً وفي القريب العاجل بانه سيصبح بلا تاريخ .
في الحقيقة هناك تواطؤ بين القوات ألأمريكية واسرائيل في القضاء على التاريخ الحضاري للعراق كي يكون بلا تاريخ ، وقد تضمن الكتاب دراسة كتبها عادل الشمري عن كتاب (كيف نهِبَ العراق .. تاريخاً وحضارة) لمؤلفه الصحفي فيليب فلاندران . وجاء في الدراسة : ان الحقيقة التي يعرفها الكثير من الباحثين والسياسيين هي ان هناك الكثير من اليهود ألأمريكيين والبريطانيين الذين كانوا ضمن القوات المحتلة ، والذين لهم اهتمام بالبحث عن آلآثار والتراث اليهودي في ارض الرافدين من اجل نقله الى اسرائيل . وربما كانت المنظمات العالمية لتُجار ألآثار بالتعاون مع اللصوص والسراق المحليين قد اخرجوا الكثير من هذه التحف ألأثرية المسروقة من المتاحف او المناطق ألأثرية اثناء الحرب وبعدها واستطاعوا اخراجها الى خارج الحدود، وهناك تكون الجهات والمنظمات الصهيونية وألأوربية لها بالمرصاد وشرائها بأغلى ألأثمان، وهكذا تم التخريب والدمار وتحققت اهداف العدوان بما فيها افراغ العراق من حضارته وتاريخه.
ويذكر الكتاب بأجلال واحترام الجهود الكبيرة والحثيثة التي بذلها عبد ألأمير الحمداني في الحفاظ على آلآثار ، فقد خلا العراق من سلطة حكومية بعد تغيير 2003، وسادت الفوضى في جميع مرافق الحياة وعم السلب والنهب للآثار في معظم المواقع ألأثرية في محافظة ذي قار ، وكان الحمداني غيوراً على ألآثار ، فعمد الى تشكيل فريق حماية لها وعين حراساً على معظم المواقع ألآثرية المهمة في المحافظة ، وان لم يكن هؤلاء الحراس غير كافين لكن في ألأقل يستطيعون حماية المواقع ألأثرية التي بعهدتهم وذلك بسبب قلة الميزانية المالية المرصودة لهذا الشأن.
اماّ مايخص مدينة بابل ، فهي مدينة الملك حمورابي الذي حكمها اثنين واربعون عاماً وقد وضع حداً لأستغلال (أيسن) سنة 1787 ق.م واخضع سومر وآشور لحكمه ووضع شريعته (شريعة حمورابي) المكونة من اثنين وثمانين مادة تستند للعدالة في الحكم ، كان لبابل مكانة في قلب العالم ، لغة اهلها السومرية ، لغة العلم وألأكدية لغة عامة الشعب وفيها ستون هيكلاً وألآف المذابح والمصليات ودينها واحد . وقد صدر عنها كرأّس يتطرق الى آثارها واحتفالاتها ومسارحها وثقافتها ، وتطرق الى عمليات السرقة التي قام بها اللصوص .
اما متحف بغداد فقد نهبت معظم محتوياته من تماثيل أصلية ورقم طينية واختام اسطوانية بعد احداث سنة 2003 وقد حاول دوني جورج وهو موظف في متحف بغداد منع هذه السرقات ،وقد تحدث للبعثة ألأثارية القادمة الى العراق في ذلك الوقت عن آلاف ألأشياء المسروقة التي نهبت وسرقت اثناء دخول القوات المحتلة الى بغداد.
وكتب الروائي العراقي المقيم في تونس عبد الرحمن الربيعي مقالا في صحيفة الشروق التونسية تعقيبا على عن كتاب (الطريق الوعر الى اور) وهو من تأليف امير دوشي وتساءل: هل ان حضارة العراق سلاح دمار شامل ؟ وقال باسى ان مؤلف الكتاب امير دوشي اخبره نقلا عن عبد ألأمير الحمداني بان متحف الناصرية اصبح قاعدة عسكرية امريكية وقد افرغت قاعاته من خزائنها واصبحت عنابر نوم للجنود ألأمريكيين وحُول القسم ألأداري الى مستشفى ميداني .
لم ينس الكتاب عالم ألآثار الجليل الدكتور طه باقر وذكر ألأحتفالية التي اقيمت في المركز الثقافي في الناصرية بمناسبة مرور مائة عام على ميلاده حيث أفتتحت ألأحتفالية بأزاحة الستار عن تمثال الملك اورنمو وتمثال نصفي للدكتور طه باقر . وسينصب هذان التمثالان امام بيت البعثة التنقيبية في مدينة اور والذي بناه الدكتور باقر نفسه كمكان استراحة للبعثة التنقيبية عندما كان ينقب في مدينة اور وكان له الفضل في الكشف عن اثار مهمة في هذه المنطقة لما يتمتع باجادته للغة السومرية . وقد ترجم ملحمة كلكامش الى اللغة العربية وهي اول ملحمة في التاريخ البشري .
اما بخصوص عصابات داعش ألأرهابية فانها ارتكبت جرائم كثيرة بحق ألآثار العراقية فقد هدمت الكثير من المواقع ألأثرية وهدمت حسينيات وكنائس ومراقد دينية، كما قامت بنبش وحفر مراقد ألأنبياء : النبي يونس ، النبي شيت ومناطق اثارية عديدة اخرى.
وقد تطرّق مظفر الربيعي وهو مدير المراكز والبيوت الثقافية في العراق الى عصابات داعش ألأرهابية التي بدأت عمليات بيع اللقى ألآثارية والمسكوكات القديمة جداً عن طريق تجار السوق السوداء وجدوا على مناطق الحدود كي يسهلوا عملية نقلها الى خارج العراق.
الكتاب يقع في 300 صفحة مقسم لثلاثة فصول يقول محرر الكتاب في المقدمة : لماّ كانت الكتابة الصحافية مهارة وحرفة يسعى الكتاب بفصوله الثلاثة المتداخلة الى تقديم مادة نظرية وتطبيقية لأكتساب وتفعيل هذه الحرفة حيث الخطوات المتبعة لأكتساب ايما حرفة هي ألأدراك والمحاكات وألأنتاج وهكذا يقدم الفصل ألأول مادة مفاهيمية عبر الشرح والتمارين . ويقدم الفصل الثاني نماذج كعينة لنصوص اجناس اعلامية متنوعة للمناقشة والتحليل بهدف المحاكاة وألأنتاج . اما الفصل الثالث يقدم ثقافة مهنية تاريخية قانونية واعلامية ليؤسس خلفية فكرية للمتلقي.
واخيراً تكمن اهمية كتاب (اغتصاب رقيم الطين) لمعده ومحرره امير دوشي في انه اول كتاب باللغة العربية كشف عمليات سلب ونهب ألآثار العراقية ، كذلك اكد على العلاقة الوشيجة بين وسائل ألأعلام وألأرث الحضاري والثقافي وكيفية توظيف وسائل ألأعلام للدفاع وللحفاظ على التراث الحضاري وألآثار العراقية وقد سدَّ هذا الكتاب فراغاً كبيراً في المكتبة العربية ، وانشأ فناراً ينيرُ ظلمات عمليات السلب والنهب للآثار العراقية وكشف ألأهمية الحضارية لهذه ألآثـــــــــار .