06-كانون الأول-2015
عارف البصري الاخواني في البصرة
الدعوي في كرادة بغداد
بقلم : هارون محمد
بعد ان انكشفت تنظيمات حزب الدعوة وكان في بداية تشكيله في نهاية عام 1971 واعتقال ابرز قادته عبدالصاحب دخيل الملقب (ابو عصام) في 28 ايلول من العام نفسه ونقله الى قصر النهاية للتحقيق معه، تداعى عدد من كوادر الحزب بقيادة هادي السبيتي (ابو حسن) وكان يعمل مهندسا في دائرة كهرباء بغداد ويسكن حي فلسطين لتشكيل قيادة جديدة للدعوة لتفادي نتائج اعترافات دخيل على رفاقه وما تجره من آثار خطيرة.
كان هادي السبيتي وشقيقه مهدي متعاطفان مع جماعة الاخوان المسلمين طيلة عقد الستينات ويشاركان في انشطة الجماعة واحتفالاتها التي كانت تقيمها في الكرخ والاعظمية وباب الشيخ حتى قيل انهما تحولا الى السنية قبل ان يلتقيا مع ملا شيعي متشدد يدعى مرتضى العسكري وهو من اصول ايرانية وفدت اسرته الى العراق في مطلع القرن الماضي واستوطنت سامراء باديء الامر الى جوار العتبة العسكرية ثم تنقلت بين النجف وكربلاء والكاظمية.
كان مرتضى العسكري قريب الصلة بالمرجع الشيعي الاعلى محسن الحكيم الذي عينه وكيلا له في منطقة البياع وحي الكرادة الشرقية وقد تعاون مع نجلي المرجع مهدي وباقر في تغيير قناعات السبيتي الذي تطرف دينيا في ذلك الوقت وتوجه للانخراط الى حزب التحرير الاسلامي السلفي المتشدد.
وكان العسكري رغم انه ولد في سامراء عام 1912 الا انه رفض اكتساب الجنسية العراقية لاعتزازه بفارسيته وقد انشأ في العراق سلسلة من المدارس الشيعية كانت تمول من ايران ابرزها مدرسة الامام الجواد في الكرادة الشرقية ومدرسة الزهراء للبنات في الكاظمية ومدرسة الامام الصادق في البصرة ومدرسة الامام الباقر في الحلة ومدرسة الامام الحسن في الديوانية وعين اللبناني مهدي شمس الدين مديرا لها ومدرسة لتعليم البنات في قضاء النعمانية ونسب قاسم شبر لادارتها.
وقبل عودته الى بلده ايران في نهاية عام 1969 كان العسكري قد شكل حلقات دراسية دينية لتنظيم الشباب الشيعي تعمد ان يبعدها عن الطابع الحزبي لادراكه بان المرجع محسن الحكيم كان يرفض أي شكل من اشكال التنظيم الحزبي في الوسط الشيعي العراقي اعتقادا منه بان قيام احزاب سياسية شيعية ستأخذ من جرف المرجعية وربما تشاركها في عوائدها المالية وخصوصا زكاة (الخمس) وقد التزم العسكري ونجلا المرجع مهدي وباقر ورابعهما محمد باقر الصدر بتوجيهات الحكيم واستبعدوا إنشاء حركة سياسية كان الاربعة قد اتفقوا على تسميتها بـ(الحركة الاسلامية في العراق).
وبهذا الصدد يجب عدم تصديق ما يردده قادة حزب الدعوة الان بان حزبهم تأسس في عام 1957 او في عام 1959 فالاوساط السياسية والصحفية في العراق تعرف جيدا انه لم يظهر أي حزب شيعي في عقدي الخمسينات والستينات ولم يسجل لدى دوائر الامن الحكومية أي نشاط لحزب شيعي حتى عام 1971 باستثناء ظهور شكل تنظيمي حمل اسم (الحزب الفاطمي) في عام 1965 سرعان ما ألقي القبض على من روج له وتم التحقيق معهم وكانوا اربعة اشخاص اعترفوا أمام مدير الامن العام المقدم رشيد محسن بانهم تلقوا مبالغ مالية وتوجيهات من السفارة الايرانية في بغداد للهتاف ضد الرئيس عبدالسلام عارف وتمجيد شاه ايران محمد رضا بهلوي في مسيرة الابواب الذهبية التي كان الشاه قد تبرع بها الى العتبات الدينية في النجف وكربلاء والكاظمية، وقد تم اطلاق سراح الاربعة وكانوا ثلاثة ايرانيين وعراقي واحد يدعى كاظم محمد علي من سكان الكاظمية بكفالة مالية.
كان أول منشور سري حمل اسم حزب الدعوة الاسلامية قد صدر في شهر تشرين الاول 1971 وفيه يعلن الحزب عن اعتقال عددا من اعضائه من قبل دائرة الامن العامة دون ان يتضمن أسماء معينة ، وبذلك يكون تاريخ انشاء الحزب باسم الدعوة في هذا الشهر بشكل رسمي خصوصا وان الحزب لا يملك أي وثيقة او بيان او محضر اجتماع او مؤتمر قبل هذا التاريخ.
ويبدو ان اعتقال عبدالصاحب دخيل (ابو عصام) قد ترك فراغا على الحزب المشكل حديثا فقد اتجهت انظار من تبقى من اعضاء الحزب ممن لم يتم اعتقالهم الى ملا شيعي شاب ينحدر من البصرة يدعى عارف البصري عرف بخطبه الحماسية في حسينية آل مباركة بالكرادة الشرقية حيث كان يعمل وكيلا للمرجع الشيعي الاعلى ابو القاسم الخوئي.
ولم يعرف لحد الآن من كسب البصري واقنعه بالانخراط في حزب الدعوة، فهناك رواية تقول ان المحامي حسن شبر هو من كسبه بينما تشير رواية اخرى بان هادي السبيتي قد استقطبه في حين يقول الشيخ طالب الرفاعي في كتاب (آمالي السيد الرفاعي) لمؤلفه الدكتور رشيد الخيون انه تمكن من تغيير قناعات عارف البصري الذي كان في قيادة جماعة الاخوان المسلمين في البصرة واعادته الى العقيدة الشيعية.
ويضيف الشيخ الرفاعي انه سمع خلال زيارة له الى البصرة موفدا من المرجع محسن الحكيم في عام 1967 بان عارف البصري ينشط في صفوف الاخوان المسلمين في المدينة رغم انه شيعي ومن اسرة شيعية كادحة، ويشير الى انه ذهب اليه في دكانه الصغير لبيع العدد النجارية واجتمع معه عدة مرات الى ان اقنعه بغلق دكانه ومغادرة البصرة ومما قاله الرفاعي: لقد اصطحبت البصري الى النجف وسجلته للدراسة في الحوزة الدينية التي كان المرجع الحكيم يشرف عليها.
للمعلومات ايضا فان السيد طالب الرفاعي كان قد غادر في عام 1969 الى القاهرة للدراسة في جامعة الازهر ويصبح ممثلا للمرجع الحكيم في مصر ومن بعده وكيلا للمرجع الخوئي وقد عاش هناك حتى عام 1980 واضطر الى مغادرتها الى الولايات المتحدة الامريكية بعد صدور فتوى من آية الله الخميني بلعنه واعتباره خارجا من الملة الشيعية بسبب صلاته على جنازة الشاه البهلوي الذي توفي في العاصمة المصرية وكان في ضيافة الرئيس الاسبق انور السادات.
وكانت اول مهمة حزبية سرية اسندت لعارف البصري هي مسؤولية لجنة حزب الدعوة في محافظة ديالى وكان يومها يسكن في الكرادة الشرقية (الزوية) ولكنه لم يستمر طويلا في مسؤولية لجنة ديالى لاسباب تنظيمية وعدم وجود حلقات حزبية في المحافظة ذات الاغلبية السكانية السنية ، فعهدت الية مسؤولية لجنة الحزب في منطقة الكرادة وبدأ يديرها من مكان عمله في حسينية (آل مباركة) في حي البو شجاع وسط المنطقة ولكنه اصطدم بناشط شيعي يدعى سامي البدري الذي كان يستخف بحزب الدعوة وشكل تنظيما شيعيا سريا اطلق عليه اسم (جند الامام).
في مطلع عام 1972 ضبطت اجهزة الامن عددا من منتسبي حزب الدعوة في كربلاء واعتقلت محمد صالح الاديب وعلي محمد حسين الاديب وطاردت الايراني محمد مهدي آصفي في النجف الذي هرب الى الكويت والقت القبض على حسين الديواني وحمزة الزبيدي وكاظم عنبر في الديوانية واعتقلت عبدالغني شكر في الناصرية وكامل عجيل الركابي في الحلة وفي شهر آب من العام نفسه سقط مسؤول الخط العسكري عبدالله فضل جاسم التميمي بقبضة رجال الامن وهو غير كاظم التميمي عضو قيادة البصرة وبعده بايام القي القبض على مسؤول الوكر الطباعي علي العلوي في النجف وكان يجهز للعدد 19 من نشرة (صوت الدعوة).
وازاء ذلك وجد هادي السبيتي نفسه مضطرا الى استغلال ايفاد رسمي الى مصر وسوريا كمهندس للربط الكهربائي مع الدولتين في اطار انشاء منظومة كهربائية عربية مشتركة كان يجري التمهيد لانشائها بين بغداد ودمشق والقاهرة وسافر الى العاصمة السورية تفاديا لاعتقاله بعد شعوره بان اعترافات المعتقلين ستطاله حتما.
وقبل سفره بيوم واحد اتخذ السبيتي قرار عين بموجبه قيادة لحزب الدعوة من اربعة دعويين تتولى مسؤولية التنظيم طيلة غيابه وتكونت من عارف البصري رئيسا وعضوية هادي عبدالحسين شحتور وحسين كاظم جلو خان ونوري محمد حسين طعمة
ومع بداية تسلم عارف البصري مسؤولية الحزب وردت اليه انباء كشف اعضاء التنظيم في البصرة واعتقال المسؤول عنه عبدالامير المنصوري (ابو مصعب) ومساعده هاشم ناصر محمود (ابو عقيل) فبادر البصري الى تشكيل قيادة جديدة في البصرة تألفت من قاسم عبود وحاسم مهاوي ومحمد جواد الاسدي وعبدالزهرة عثمان (ابو ياسين) وحدثت مشاكل تنظيمية بين اعضاء قيادة البصرة وعدد من الانصار والمؤيدين الحزبيين تدخل على اثرها سهيل نجم وكان في زيارة الى البصرة قادما من دبي حيث يعمل في احدى حسينياتها وحل الاشكالات ساعده الشيخ عبدالرضا الجزائري.
وبعد ان نجح عارف البصري في ترتيب بيت الحزب في البصرة فوجيء برجال الامن يداهمون منزله في حي الزوية بمنطقة الكرادة ويقتادونه الى دائرة الامن العامة للتحقيق معه بعد ان اعترف عليه عدد من المعتقلين ، كان ذلك في صباح يوم 17 تموز 1974 وكان يحزم حقائبه للسفر الى القاهرة عصر ذلك اليوم لتقديم اوراقه للدراسة في جامعة الازهر بمساعده من صديقه طالب الرفاعي المقيم في العاصمة المصرية.
وخلال وجود عارف البصري في معتقل مديرية الامن العامة ببغداد القي القبض على اثنين من اعضاء القيادة الجديدة لتنظيم البصرة وهما قاسم عبود ومحمد جواد الاسدي بينما تمكن العضوان الآخران جاسم مهاوي وعبدالزهرة عثمان من الهرب الى الكويت.
واحيل عارف البصري الذي اعترف بمسؤولياته الحزبية امام هيئة التحقيق مع عدد من المعتقلين الى محكمة الثورة التي اصدرت احكاما في 13 تشرين الثاني 1974 قضت باعدام كل من :
عارف البصري وعماد الدين طبطبائي وعزالدين قبنجي ونوري محمد طعمة وحسين جلو خان وحكم بالسجن المؤبد على كل من قاسم عبود ومجيد الصيمري وعبدالرحيم الشوكي ومحمد جواد الاسدي وهادي عبدالحسين شحتور وعبدالامير كاظم الجبوري فيما حكم بالسجن عشر سنوات على : حسين ابراهيم بركة الشامي وحبيب طاهر عفج ورحمن حجار وهو شاعر شعبي كان بعثيا في عام 1963 ورأس جمعية الشعراء الشعبيين قبل ان ينتمي الى حزب الدعوة وهادي الجبوري.
وقد سعت عائلة عارف البصري الى التوسط لتبديل حكم الاعدام الى السجن وذهبت زوجته الى المرجع ابوالقاسم الخوئي الذي شاركها البكاء عليه الا انه اعتذر عن مفاتحة المسؤولين بشأنه لاعتراف البصري بمسؤولياته الحزبية بنفسه والاعتراف في القانون سيد الادلة وقيل ايضا ان الخوئي كان مستاء من قيادة البصري لحزب الدعوة بدون علم المرجع الذي كان يعد رئيسه المباشر.
|
فوزي الهاشمي
|
|
12/06/2016 04:45:20 م
|
|
حزب الدعوة تاريخ اسود ومؤامرات وجرائم ولازالت
|